الملاكمة في كوبا.. شغف شعبي وطريقة حياة
يصرخ مدرب الملاكمة: "حرك رأسك"، وذلك في صالة فقيرة للألعاب الرياضية في "الكوتورو"، الحي الشعبي الواقع بضواحي هافانا. ففي الحلبة تلقى لاعبه منذ قليل لكمة في الوجه جعلته يتأرجح. لكنه يتعافى سريعا ويتقدم باتجاه منافسه. فليكس عمره 12 عاما ، لكنه يعرف كيف يتصرف بين الحبال مثل الكبار.
تتمتع الملاكمة بعراقة في كوبا ، حيث لا يفوقها شعبية سوى البيسبول. 32 لقبا أولمبيا -من إجمالي 67- قدمتها رياضة القفازات للجزيرة ، فضلا عن نجوم كبار مثل الراحل مؤخرا تيوفيلو ستيفنسون أو فليكس سافون.
ولا تمثل الملاكمة ستارا لحماية الأشقياء في حي ما في كوبا. بل هي بالأحرى شغف شعبي. طريقة حياة. يقول أحمد أونير ، وهو رئيس شركة ألمانية مهتمة بالتعاقد مع ملاكمين من المنطقة لتحويلهم إلى محترفين "الرب خلق شعبا كي يلاكم ، ذلك الشعب هو الكوبي".
وفي صالات الألعاب الرياضية المتواضعة بالجزيرة ، يتدرب يوميا أطفال تبدأ أعمارهم من ثمانية أعوام وحتى ملاكمين هواة يصعدون إلى الحلبة في أوقات فراغهم
وفي صالة "إنريكي جارموري" في "الكوتورو"، تهب رياح خانقة في الخامسة مساء ، رغم ذلك هناك أكثر من 20 فتى يجتمعون في الصالة لخوض سلسلة من المباريات الودية بين شباب تصل أعمارهم إلى 16 عاما ، من مقاطعة هافانا وجزيرة خوفينتود.
ويظل مدرب فليكس يصرخ فيه "الرأس"، فيما تزداد الحرارة والرطوبة المميزتان للمناطق المدارية. ويضئ كشافان معلقان في السقف القاعة ، التي لا يوجد بها نوافذ أو تهوية.
كما يصرخ المدرب كذلك خلال الجولة التالية "القدمان ، حرك القدمين". فالأمر لا يتعلق باللكم فحسب ، وإنما أيضا بتحريك الرأس والرقص وإنهاك المنافس ، تلك هي الوصفة.
وتراهن منظومة الرياضة الكوبية على الانتشار الجماعي وتستبعد المنافسة الاحترافية. ويمكن للأطفال ارتداء القفازات من سن ثمانية أعوام في أي من صالات الألعاب الرياضية المجاورة.
بطولة تلو الأخرى ، وعبر الموهبة المناسبة ، يمكن فتح الطريق لاحقا أمام الانضمام للمدرسة الكوبية للملاكمين ، الواقعة في واخاي بضواحي هافانا.
وبعيدا عن الأضواء ، يتم إعداد الرياضيين الكبار ليس فقط على المستوى البدني ، وإنما تعليميا أيضا.
ولا تمثل الملاكمة في كوبا رياضة تحاكي مصارعة الديوك ، بل ترتبط أكثر بالمهارة والأناقة والانضباط. وكثيرا ما يذهب إلى صالات الحي آباء وأمهات من أجل مشاهدة أبنائهم وهم يلاكمون. ووسط اللكمات الطائشة للأطفال ، تسمع كثيرا صيحات التشجيع من النساء.
ويقول فليكس في جارموري "أود أن أصبح ملاكما ، حتى النهاية". وهو من وسط هافانا ، وأحد القليلين من ذوي البشرة البيضاء في المكان. وفي سن الثانية عشرة ، أصبحت التدريبات والمباريات في "الكوتورو" جزءا من روتينه اليومي.
ولم يتم طلاء حوائط جارموري منذ أعوام ، وحبال الحلبة متآكلة في جوانب عديدة. ويتشارك الفتيان القفازات وأقنعة الحماية وحتى الملابس. فمن هناك وإلى مدرسة الملاكمين يبدو الطريق طويلا.
ويقول أرنولد ، أحد مسئولي الصالة ، وهو وهو يتصبب عرقا بجانب الحلبة "نقوم هنا بعمل كبير". ويضيف المدرب /36 عاما/ حول الخطر المعتاد من عمليات الهروب بين الرياضيين الكوبيين الذين يشاركون في بطولات أجنبية ، حيث لا تسمح الجزيرة برياضات المحترفين "لذلك ، عندما يسافرون إلى الخارج ويرون ما هناك يبقون".
وفي رافاييل تريخو ، بهافانا القديمة وسط الجزيرة ، لا تبدو الظروف أفضل بكثير. فصالة الألعاب الرياضية ، التي كانت مقرا شهيرا للبطولات عندما كانت هافانا واحدا من أهم مقرات الملاكمة المستأجرة في العقود الأولى من القرن العشرين ، تبدو شبيهة بالأطلال.
المدرجات الخشبية الموضوعة في الهواء الطلق تبدو في حالة سيئة ، ومن داخل الحلبة يمكن رؤية حبال الملابس والحوائط المشققة للمنازل المجاورة.
لكن الفناء يشهد يوميا تدريبات ولا تزال تقام بطولات بانتظام. في "التريخو" يصعد إلى الحلبة ملاكمون هواة أجانب ، ومشجعون في الأربعين والخمسين من العمر ، وشبان من المنطقة يحلمون بالمنافسة عبر اللكمات
ويقول لويس /27 عاما/ "هنا قمت بهزيمة العديد من الأجانب بالضربة القاضية"، مشيرا إلى الحلبة الفارغة. ففي ذلك اليوم تدرب مع ثلاثة أشخاص آخرين فقط.
ورغم أن مهنته هي التمثيل ، سيشارك لويس قريبا في بطولة إقليمية ، ويأمل أن ينطلق بعد ذلك على المستوى الوطني.
ويأتيه المثل من مدربه نفسه. فقد كان ناردو مايستري /60 عاما/ عضوا في المنتخب الوطني لوزن 48 كيلوجراما ، حيث لعب مع ستيفنسون ، البطل الأسطوري صاحب الذهبيات الثلاث الأولمبية لكوبا.
وكملاكمين كثيرين معتزلين ، يعمل مايستري حاليا في التدريب بصالات الحي المنتشرة في الجزيرة.
وبعد نتيجة متواضعة في دورة بكين 2008 مقارنة بتاريخها –أربع ذهبيات وأربع برونزيات- تأمل الملاكمة الكوبية في العودة إلى المنافسة على الألقاب في لندن 2012. واستأثر الملاكمون الثمانية الذين سيشاركون في الدورة بجميع الجوائز في آخر البطولات الإعدادية بهافانا.
وفي البطولة التقليدية ، التي شارك فيها ملاكمون سيسافرون إلى لندن من دول مثل السويد أو تركيا ، ظهرت مرة أخرى المهارات الكلاسيكية للملاكمين الكوبيين: المهارة والسرعة والفعالية والقوة.
ويوجز مدرب الفريق رولاندو أسيبال "إننا نحمل ثمانية رياضيين إلى الألعاب الأولمبية... كلهم يحملون في أذهانهم البحث عن ميدالية ذهبية".