غاري جاكوبس: من قمة الملاكمة إلى صراع الحياة والعودة من جديد

يتذكر غاري جاكوبس كل شيء، كل نزال، كل جولة، يقول بطل الوزن المتوسط البريطاني والأوروبي والكومنولث سابقًا، بفخر واضح: "أتذكر كل لحظة".
لكن إلى جانب الانتصارات، يتذكر أيضًا الأوقات العصيبة التي تلت اعتزاله.
في يوم شتوي بارد عام 2003، كان جاكوبس يقود سيارته إلى جسر إرسكين، مثقلًا بالإحباط بعد فشل مشاريعه عقب انتهاء مسيرته في الملاكمة.
في كتابه الصريح "العودة إلى الحياة"، يسرد بجرأة تلك المرحلة المظلمة: "كنت مدمنًا على المخدرات والكحول، أكافح لتوفير مأوى لعائلتي. لم أعد أتحمل الأمر".
لكن في لحظة غير متوقعة، أنقذته كلمات من غريب، توقفت شاحنة بيضاء، وصرخ سائقها: "لا تفعل"، عندها، حوّل جاكوبس نظره بعيدًا عن نهر كلايد، وعاد إلى سيارته المتهالكة، عازمًا على القتال من جديد.
اليوم، بعد أكثر من 20 عامًا، يجلس جاكوبس، مفعمًا بالحياة، في منزل صديق بجنوب غلاسكو، مستعيدًا تفاصيل رحلته المضطربة.
يقول عن تلك اللحظة المصيرية: "تفكر في الأمر، لكنه لم يحدث. كانت هناك لحظات ضعف، لكن أيضًا لحظات إيجابية كثيرة".
ملاكمة، نجاح، وسقوط
على مدار 12 عامًا في الملاكمة، خاض جاكوبس 53 نزالًا، فاز في 45 منها، ومع ذلك، لم تخلُ مسيرته من الإحباطات، حيث يقول بصراحة: "تعرضت للسرقة عدة مرات".
أبرز محطاته كانت مواجهته ضد بيرنيل ويتاكر عام 1995 على لقب العالم، حيث خسر بقرارٍ إجماعي.
ورغم مرور العقود، لا يزال يتذكر ذلك النزال بكل تفاصيله: "لا بد أن يكون هناك فخرٌ كبير في خوضي تلك المعركة".
اليوم، وهو في التاسعة والخمسين من عمره، يقول: "لا تدرك ما فعلته إلا بعد سنوات، عندما ترى إرثك في الملاكمة لا يزال حاضرًا، خاصةً عبر وسائل التواصل الاجتماعي".
الحياة بعد الحلبة
لكن الاعتزال لم يكن سهلًا، يعترف جاكوبس بأن الانتقال من الأضواء إلى الحياة العادية كان "تجربة مدمرة".
لجأ إلى الكوكايين والكحول هربًا من الواقع "كان الأمر غريبًا، جامحًا. تظن أن المخدرات سحر، لكنها لا تدوم طويلًا".
ورغم كل شيء، وجد الدعم من عائلته، يقول بأسى: "أشعر بالخجل مما سببته لهم، لكنهم بقوا إلى جانبي".
اليوم، يعيد جاكوبس بناء حياته، حيث يعمل مدربًا شخصيًا، ويقول: "الصحة هي كل شيء. أمارس الرياضة يوميًا، وأساعد الآخرين على تحسين حياتهم".
كما أنه يسعى لمساعدة الآخرين بطرق أعمق، حيث بدأ مشروعًا لإدخال الملاكمة إلى السجون، في محاولة لاستخدام العنف كأداة لاحتواء العنف.
الرحلة من البداية إلى القمة
وُلد جاكوبس في عائلة ناجحة، لكنه كان طفلًا مشاكسًا، يتذكر قائلاً: "درستُ في عدة مدارس، وتشاجرت كثيرًا. كنت أشعر بالحاجة إلى إثبات نفسي".
بدأت رحلته في الملاكمة في سن 15، عندما قال له والده: "إذا كنت تعتقد أنك تستطيع القتال، فلماذا لا تجرب الملاكمة؟".
في البداية لم يكن مهتمًا، لكنه غير رأيه عندما سمع عن المكافآت المالية. "أين القفازات؟" كانت إجابته السريعة، من هناك، صعد بسرعة إلى قمة الملاكمة، حتى وجد نفسه يومًا ما يقاتل في ماديسون سكوير غاردن.
مواجهة العظماء
في عام 1989، قبل نزالًا ضد بادي ماكجيرت في نيويورك، بعد أن انسحب خصمه الأصلي في اللحظة الأخيرة.
لم يستطع رفض العرض، رغم قصر التحضير: "كان الأجر 15 ضعفًا مما كنت سأتقاضاه في النزال السابق".
ورغم خسارته بالنقاط، كان ذلك دليلًا على روحه القتالية ورغبته في مواجهة الأفضل دائمًا، وهي السمة التي تكررت في نزال بيرنيل ويتاكر عام 1995.
ولا يزال يشعر بالمرارة تجاه تلك الخسارة: "لا أعتقد أنني خسرت الجولات الست الأولى. كنت أطارده وأهاجمه. حتى أنني أسقطته، لكن الحكام اعتبروها زلة".
وداعًا للملاكمة، ولكن ليس للقتال
خلال السنوات الأخيرة، ابتعد جاكوبس عن الملاكمة، بعد أن كان يساعد الملاكمين الشباب، لكنه وجد أن الجيل الجديد لا يرغب دائمًا في التعلم: "يعتقدون أنهم يعرفون أكثر منك، ولا أريد إضاعة وقتي معهم".
قبل نهاية المقابلة، يخرج هاتفه ليري لقطات من أفضل لحظاته.
يشير إلى فيديو من نزال لودوفيك سوتو عام 1993، حيث انتصر بالضربة القاضية بعد معركة شاقة.
يقول بابتسامة وهو يشاهد الضربة القاضية الحاسمة: "كنتُ منهكًا بعد ذلك، لكنه كان انتصارًا لا يُنسى".
يعود من ذكريات 1993 إلى واقعه اليوم، يقف أمامي غاري جاكوبس، المقاتل الدائم. لقد سقط مرات عديدة، لكنه دائمًا ما ينهض من جديد.