كيف يحافظ أوسيك على قوته في معسكر تدريبي يشبه المختبر العلمي؟

من السهل أن نتساءل كيف لا يزال أوسيك يبدع. كيف، في سن الثامنة والثلاثين، لا يزال بلا هزيمة، يرقص وسط المخاطر في أقسى منافسات الملاكمة، خصوصًا مع اقتراب مباراته المنتظرة ضد شاب أكثر حماسًا في ملعب ويمبلي نهاية الأسبوع المقبل.
بعد دخوله معسكر تدريبي في جانديا بإسبانيا للمرة الثالثة على التوالي، أصبح الأمر واضحًا: الزمن لم يتمكن من الإمساك به، وهناك سبب محدد لذلك.
سر طول عمر هذا البطل الأوكراني ليس غموضًا أو سحرًا، بل هو دقة القياس، تُراقب كل لكمة يتلقاها أثناء التدريبات عبر أجهزة استشعار دقيقة مثبتة في واقي فمه.
تُسحب عينات دمه خلال المعسكر لمراقبة إرهاقه، كما تُسجل بيانات نومه، ذاكرته، وإجهاده الذهني لتحليلها وتكييفها. معسكره يشبه مختبرًا علميًا أكثر منه صالة ألعاب رياضية.
في هذا المختبر، يُعاد بناء بطل عصري للغاية يسعى لأن يصبح بلا منازع للمرة الثالثة في عصر الأحزمة الأربعة.
يرن منبه أوسيك يوميًا في الخامسة والنصف صباحًا، لا يتصفح هاتفه ولا يرتشف قهوته، بل يبدأ بفحص تقويم العمود الفقري ليقيّم تعافي قلبه خلال الليل.
على مقربة منه، يراقب فريقه نومه عبر أجهزة استشعار متقدمة. بعدها تبدأ تمارينه الهوائية منخفضة الشدة كالجري أو ركوب الدراجة الثابتة لمدة ستون دقيقة، تليها تمارين أخرى.
يتناول الإفطار ثم يبدأ التدريب الفني أو السجال في منتصف الصباح، يليه استراحة تحضيرًا للجلسة المسائية، في الأسابيع الأخيرة، يصبح السجال هو النشاط الأبرز، حيث يشكل 60% من التدريب تحت ضغط عالٍ ومراقبة دقيقة.
مدرب القوة واللياقة ياكوب تشيكي لا يتحدث كمدرب عادي، بل كعالم متخصص في الأداء، يشرح أن كل ضربة تُرصد بأجهزة استشعار في واقي الفم تقيس تسارع الرأس، تُأخذ عينات دم دورية لتقييم التعب، الالتهابات، وحتى الإصابات الدماغية الرضحية الخفيفة.
هذه الدقة في الرصد قد تفسر تفوق أوسيك المستمر رغم تجاوز عمره الثلاثين، مقارنة بمنافسين بدأوا في التراجع.
يشير تشيكي لموقع "ميل سبورت": "نراقب عدد الضربات التي يتلقاها ونسجل تسارع رأسه ونقيم تأثير التدريب على ذاكرته العاملة. نأخذ عينات دم لإجراء فحوصات جزيئية وبيوكيميائية ونعدل تدريباته حسب الحاجة".
يلعب التدريب المعرفي دورًا رئيسيًا في تحضير أوسيك. ليس فقط ردود الأفعال، بل تطوير "الوظيفة التنفيذية" للدماغ، أي القدرة على التخطيط، التذكر، التكيف وحل المشكلات بشكل فوري، وهي من أهم نقاط قوته داخل الحلبة.
تُعزز هذه التمارين بروتينات الدماغ الأساسية الضرورية للتعلم والنمو العصبي، مما يحسن تركيزه ويعالج إصابات الدماغ الرضحية الخفيفة.
الأربعاء مخصص للسباحة، التي يعتمد عليها لبناء القدرة على التحمل وتقوية العقل، يسبح أوسيك أكثر من 90 دقيقة أسبوعيًا، ويغير سرعته لمحاكاة متطلبات القتال، مع تمارين حبس الأنفاس التي تعزز المرونة النفسية.
بعد الجلسات التدريبية المكثفة، يلجأ أوسيك إلى حمام الثلج، حيث يقضي 3-5 دقائق في ماء بدرجة حرارة 8-10 درجات مئوية، هذا يساعد على التعافي وقياس الإرهاق، ويتم جمع عينات دم قبل وبعد الجلسات لتحليل أدائه.
المعسكر لا يبدو كما تتخيل: يقع في مبنى بسيط كان يُستخدم لبيع سيارات الهاتشباك بالقرب من طريق مزدوج في مكان ناءٍ، يضم فريقًا صغيرًا متمسكًا، مع حلبة ملاكمة كاملة وطاولات تنس طاولة وكرة سلة، تُزين الجدران رسومات ونكات داخلية تعكس روح الفريق.
يبدأ كل تدريب بتلاوة أوسيك دعاءً، يرسم إشارة الصليب، ويقف أمام هيكل حديدي يحمل كيس ملاكمة، تحت علم القوزاق، هذا المعسكر ليس فقط مكان تدريب بل مساحة إيمان وصلابة.
والعنف الحقيقي سيظهر في 19 يوليو حين يواجه دوبوا مجددًا على لقب الوزن الثقيل في ويمبلي.
مباراتهما الأولى شهدت جدلًا بعد ضربة بدت منخفضة أوقعت أوسيك، ولكن تم الاحتكام إلى الحكم لصالحه.
يرى أوسيك أن كل تدريب يحاكي القتال، فيعمل على تحليل الأخطاء والفرص لتحسين استراتيجيته.
داخل المعسكر، لا يخلو الأمر من لحظات عائلية وترفيهية، حيث يشارك أبناؤه في المصارعة، ويستمتع الفريق بألعاب الفيديو في المساء.
هذا التوازن بين العلم والروح، العزيمة والمرح، هو سر تميّز أوسيك، التقدم في السن حتمي، لكن التراجع ليس كذلك.
من مرآبه البسيط في إسبانيا، يظهر جليًا أن أوسيك لم يُهزم الزمن بعد، ولا يزال يطمح للمجد.