محاكمة القرن الرياضية تبدأ.. الدوري الإنكليزي الممتاز يواجه مانشستر سيتي بـ 115 تهمة
بعد سنوات من الاستعدادات، ربما تشهد بطولة كرة القدم الإنكليزية أكبر الأحداث والمحاكمات وأكثرها إثارة للجدل.
حيث يواجه مانشستر سيتي 115 تهمة بسبب انتهاك القواعد المالية للبطولة التي فاز بها لأربعة مواسم متتالية وهو رقم قياسي.
ومن المقرر أن تعقد جلسة استماع مستقلة للنظر في هذه الاتهامات، والتي من المقرر أن تبدأ يوم الاثنين في مكان غير معلوم، مع مراعاة أي تأخيرات قانونية.
ومن المتوقع أن تستمر المحاكمة، التي وصفت بأنها "محاكمة القرن" في عالم الرياضة، لمدة 10 أسابيع، ومن المتوقع صدور الحكم في أوائل عام 2025.
إنها تمثل مرحلة حاسمة في نزاع قانوني لم تشهد كرة القدم مثله من قبل والذي قد يؤدي إلى عواقب وخيمة على الجانبين.
وتتضمن القضية قائمة غير مسبوقة تضم 115 ادعاءً ممتدة على مدى 14 موسماً، بما في ذلك اتهامات متعددة بتقويض اللوائح من خلال الفشل في تقديم معلومات مالية دقيقة.
ولطالما نفى مانشستر سيتي هذه الاتهامات بشدة، وفي حين تتزايد التكهنات، لا أحد يعرف ما ستكون عليه النتيجة، المتوقعة في أوائل العام المقبل.
وإذا ثبتت إدانة مانشستر سيتي بالتهم الأكثر خطورة، فإنه قد يخاطر بالارتباط إلى الأبد بواحدة من أكبر الفضائح المالية في عالم الرياضة.
ومن الناحية النظرية، قد يواجه مانشستر سيتي خصم نقاط خطير بما يكفي لإدانته بالهبوط، أو حتى الطرد، من الدوري الإنكليزي الممتاز.
إن مثل هذا المصير من شأنه أن يلقي بظلاله الطويلة على إنجازات مانشستر سيتي، وأن يغرق مستقبل المدير الفني والفريق في حالة من عدم اليقين، وربما يثير مطالبات بالتعويض من أندية أخرى.
وبحسب "بي بي سي"، فإن مثل هذه السمعة على سمعة مانشستر سيتي وملاك النادي قد تؤثر حتى على علاقة بريطانيا بالإمارات العربية المتحدة، الحليف الخليجي الرئيسي والشريك التجاري، الذي يرأسه شقيق مالك الأغلبية في النادي الشيخ منصور.
وبالمثل، إذا تمت تبرئة مانشستر سيتي في أعقاب معركة قانونية يعتقد بالفعل أنها كلفت الجانبين عشرات الملايين من الجنيهات الاسترلينية، فإن جدوى القواعد التي تهدف إلى حماية استدامة الدوري وقدرته التنافسية ستكون موضع شك كبير.
ولكن مهما كان الحكم الذي سيتم التوصل إليه بعد جلسة الاستماع المقرر أن تستمر لعدة أسابيع، فإن التأثير قد يكون عميقا، وقد يحدد قصة هذا الموسم.
ومن الصعب المبالغة في خطورة وحجم القصة الملحمية التي تهدد بتفاقم الانقسامات المتزايدة الاتساع في اللعبة، والتي أصبحت بمثابة اختبار لسلطة الدوري الإنجليزي الممتاز ومصداقيته في وقت يواجه فيه بالفعل مجموعة من التحديات.
وفي الشهر الماضي، خلال حفل إطلاق أقيم في لندن للاحتفال ببدء الموسم الجديد، والذي هيمنت عليه الأسئلة حول القواعد المالية، قال الرئيس التنفيذي للدوري الإنكليزي الممتاز ريتشارد ماسترز لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي سبورت) إن "الوقت قد حان الآن" لحل قضية مانشستر سيتي.
وأضاف "لقد استمرت هذه القضية لسنوات عديدة وأعتقد أنه من الواضح أن هذه القضية بحاجة إلى الاستماع إليها والإجابة عليها".
وبعد مرور عشر سنوات على أول عقوبة فرضها الاتحاد الأوروبي لكرة القدم على مانشستر سيتي بسبب انتهاك قواعده المالية، وبعد ست سنوات من فتح رابطة الدوري الإنكليزي الممتاز تحقيقا في النادي، و20 شهرا منذ توجيه الاتهامات إليه، كيف وصلنا أخيرا إلى هذه النقطة؟
وحقيقة الأمر ما هي التهمة التي يواجهها النادي بالضبط؟ ما هي القوى المؤثرة؟ وما هي المخاطر التي تهدد النادي؟
وفي حزيران من هذا العام، ورد أن أحد قراصنة الكمبيوتر البرتغاليين الموجودين في برنامج حماية الشهود، ويدعى روي بينتو، أبلغ مؤتمرا أنه كان بحوزته ملايين الوثائق التي قد تكون ذات صلة بقضية المدينة.
وكان بينتو معروفًا جيدًا لمسؤولي اللعبة. وكان اللاعب البالغ من العمر 34 عامًا هو الرجل الذي يقف وراء موقع Football Leaks الذي كشف عن معلومات سرية حول انتقالات كرة القدم والعقود.
وعلى الرغم من ادعائه الدائم بأنه كان مُبلغاً عن مخالفات، فقد حكمت عليه محكمة في لشبونة العام الماضي بالسجن لمدة أربع سنوات مع وقف التنفيذ بعد أن أدانته بتهم محاولة الابتزاز والوصول غير المشروع إلى البيانات وخرق المراسلات.
ولكن تهديده بالإفصاح عن مزيد من المعلومات، وهو ما أكده محاميه، كان بمثابة تذكير في الوقت المناسب بالدور المستمر الذي لعبته إحدى الشخصيات الرئيسية في هذه القصة الرائعة.
وفي عام 2018، زعمت مجلة دير شبيغل الألمانية أن مانشستر سيتي تلاعب بالعقود للالتفاف على قواعد الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، وقالت إن مصدرها كان مُبلغًا عن المخالفات أطلقوا عليه اسم "جون" - الاسم المستعار الذي ابتكره بينتو لموقع Football Leaks.
ونشرت المجلة وثائق مسربة، بما في ذلك رسائل البريد الإلكتروني التي يُزعم أنها متبادلة بين كبار المسؤولين التنفيذيين في مانشستر سيتي، والبعض منهم لا يزالون في مجموعة سيتي لكرة القدم، على مدار عدة مواسم بعد استحواذ أبو ظبي على النادي في عام 2008.
وزعموا أن هذه الوثائق أظهرت أن النادي بالغ في إيرادات الرعاية من شركة الاتحاد للطيران المملوكة للدولة وشركة اتصالات التي تسيطر عليها الدولة من خلال إخفاء الاستثمار المباشر من الشركة القابضة (مجموعة أبو ظبي المتحدة التابعة لمنصور، أو ADUG) على أنها دخل رعاية من خلال توجيه الأموال من خلال حسابات الشركات.
وزعمت التقارير أن هذه كانت وسيلة لتلبية متطلبات قواعد اللعب المالي النظيف التي أقرها الاتحاد الأوروبي لكرة القدم في عام 2011، وقواعد الربح والاستدامة التي أقرها الدوري الإنكليزي الممتاز في عام 2012، والتي تحد من الخسائر المسموح بها للأندية.
وتبع ذلك المزيد من الاتهامات بتقديم معلومات مالية خاطئة تركزت على وثائق زعمت أنها تظهر مدفوعات سرية خارج السجلات للمدير الفني آنذاك روبرتو مانشيني، عبر رسوم استشارية من أحد الأندية في أبو ظبي.
وأيضا منح اللاعبين أموالاً أكثر مما كان يمر رسميًا عبر الحسابات بحيث كان الإنفاق المسجل أقل مما كان عليه في الواقع.
ورفض مانشستر سيتي، الذي أكد دائما أن ADUG هو صندوق خاص وليس ذراعا للدولة، التعليق على أي من التسريبات التي نشرتها مجلة دير شبيغل، قائلا إن رسائل البريد الإلكتروني المسربة تم الحصول عليها بشكل غير قانوني، وأنها كانت "محاولة للإضرار بسمعة النادي".
ونفى مانشستر سيتي والشركات المعنية بشدة انتهاك أي قواعد مالية. لكن هذا لم يمنع الاتحاد الأوروبي لكرة القدم والدوري الإنكليزي الممتاز من بدء تحقيقات نتيجة لذلك.
وكان الاتحاد الأوروبي لكرة القدم فرض غرامة على مانشستر سيتي بملايين الجنيهات الاسترلينية في عام 2014 كجزء من التسوية بعد اكتشاف انتهاكه لقواعد اللعب المالي النظيف التي كانت تهدف إلى جعل اللعبة أكثر استدامة.
ولكن المنتقدين يزعمون أن التسوية تحمي أكبر الأندية تاريخيا من خلال تقييد الاستثمار من قبل المنافسين، وخاصة تلك التي تحظى بدعم من الشرق الأوسط.
ثم في أوائل عام 2020، تعرض النادي لحظر لمدة عامين من المشاركة في المسابقات الأوروبية للأندية بعد ثبوت ارتكابه انتهاكات خطيرة لقواعد الهيئة الحاكمة.
وخلصت لجنة مستقلة من هيئة الرقابة المالية للأندية التابعة للاتحاد الأوروبي لكرة القدم إلى أن سيتي "كان يبالغ في تقدير إيرادات الرعاية في حساباته المقدمة إلى الاتحاد الأوروبي لكرة القدم بين عامي 2012 و2016"، مضيفة أن النادي "فشل في التعاون في التحقيق".
وانتقدت مانشستر سيتي ما وصفته بالقرار "المتحيز" الذي جاء بعد "عملية معيبة ومتسربة باستمرار"، مشيرة إلى "مجموعة شاملة من الأدلة الدامغة لدعم موقفها"، واستأنفت القرار.
وبعد بضعة أشهر نجحوا في ذلك، حيث ألغت محكمة التحكيم الرياضية الحظر، قائلة إنها لم تجد "دليلاً قاطعاً على أنهم أخفوا التمويل من مالكهم على أنه رعاية".
وأيضا أن معظم الانتهاكات المزعومة للقواعد لم تكن ثابتة أو "مسقطة بالتقادم" لأنها وقعت خارج الحد القانوني المحدد بخمس سنوات للملاحقة القضائية.
وكشفت المحكمة أن الشيخ منصور كتب خطابا إلى المحكمة يؤكد فيه أنه "لم يفوض مجموعة أبوظبي للاستثمار بتقديم أي مدفوعات إلى الاتحاد أو اتصالات أو أي من الشركات التابعة لهما فيما يتعلق برعايتهم لمانشستر سيتي".
ومع ذلك، فقد وجدت اللجنة أيضا أن مانشستر سيتي ارتكب "انتهاكا خطيرا" من خلال عدم التعاون مع تحقيقات الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، حيث تم تخفيض الغرامة الأولية البالغة 25 مليون جنيه إسترليني إلى 8 ملايين جنيه إسترليني.
على مدى أكثر من عامين، بدا الأمر وكأن القصة قد انتهت بهدوء، ولكن خلف الكواليس، استمرت تحقيقات الدوري الإنكليزي الممتاز.
وفي تموز 2021، ظهرت لمحة درامية عن الأمر، عندما كشف قاضي المحكمة العليا أن الدوري الإنكليزي الممتاز اتهم مانشستر سيتي فعليًا بأساليب المماطلة من خلال الفشل في الموافقة على تسليم المستندات، وأمر النادي بالقيام بذلك.
وبعد ذلك، في أوائل عام 2023، جاءت المفاجأة الأكثر إثارة في هذه الملحمة حتى الآن، عندما، بينما كان مانشستر سيتي في طريقه إلى اللقب الثالث من أربعة ألقاب متتالية، وانتصاره الأول في دوري أبطال أوروبا، تعرض لسلسلة من التهم، تتعلق بكل عام منذ شراء الشيخ منصور للنادي.